السبت، 20 مارس 2010

مزاهب واعتقادات الصوفيه

هناك أناس يطعنون في عقيدة القوم (الصوفية) ومذهبهم ، والحق أن سالكي هذا المنهج هم علماء الإسلام الذين قاموا على أمر الإسلام وإرشاد المسلمين وهم في ذلك لا يسألون الناس أجرا بل يرجون رضاء الله جلا و علا ، و المتتبع لعلومهم في العقيدة أو الواقف على منهجهم يعلم أن طريقهم مضبوط بالكتاب و السنة وإنهم على نهج النبي صلى الله عليه وسلم لم يخالفوا أو ينحرفوا عنه لا في العقيدة ولا في الأحكام ولا في الأعمال ولا في الآداب ، وهذا واضح لكل ذو عقل وبصيرة وفي بيان ذلك يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله "إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تبارك وتعالى خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وأن طريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء .. وحكمة الحكماء.. وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا " وقال الإمام القشيري رحمه الله: "اعلم أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعدهم على أصول صحيحة في التوحيد ، صانوا بها عقائدهم عن البدع ،ودانوا بما وجدوا عليه السلف ، و أهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل ".
و يقول الشيخ أبو بكر الكلاباذي رحمه الله:"اعلم أن الصوفية أجمعوا على أن الله واحد، فرد صمد، قديم عالم، قادر حي، سميع بصير، عزيز عظيم، جواد رؤوف، متكبر جبار، باق أول، إله مالك رب، رحمن رحيم، مريد حكيم، متكلم خالق رازق، موصوف بكل كمال يليق به، منزه عن كل نقص في حقه، لم يزل قديما بأسمائه وصفاته، غير مشابه للخلق بوجه من الوجوه، لا يشبه ذاته الذوات، ولا صفاته الصفات، لا يجري عليه شيء من سمات المخلوقين الدالة على حدوثهم، موجودا قبل كل شيء، لا قديم غيره، ولا إله سواه، ليس بجسم ولا شبح، ولا صورة ولا شخص، ولا جوهر ولا عرض، لا اجتماع له ولا افتراق، لا يتحرك ولا يسكن، ولا ينقص ولا يزيد، ليس بذي أبعاض ولا أجزاء، ولا جوارح ولا أعضاء، ولا بذي جهات ولا أماكن، لا تجري عليه الآفات ولا تأخذه السنات، ولا تداوله الأوقات ولا تعينه الإشارات، ولا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن، ولا تحيط به الأفكار ولا تحجبه الأستار، ولا تدركه الأبصار، وأجمعوا أن لله صفات على الحقيقة، هو بها موصوف من العلم والقدرة والقدم والحياة والإرادة والمشيئة والكلام، وأنها ليست بأجسام ولا أعراض ولا جواهر، كما أن ذاته ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر، وأن له سمعا وبصرا ليسا كالأسماع والأبصار، وأنها ليست هي هو ولا غيره، بل هي صفات الذات، وقد أجمعوا على أنه لا تدركه العيون، ولا تهجم عليه الظنون، ولا تتغير صفاته ولا تتبدل أسماؤه، لم يزل كذلك، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
ويقول الشيخ أحمد الرفاعي رحمه الله مبينا: اعلم أن كل ما عدا الخالق فهو مخلوق، والليل والنهار والضوء والظلام، والسموات السبع وما فيهما من النجوم والشمس والقمر والأرض، وما عليها من جبل وبحر وشجر، وأنواع النباتات وأصناف النبات، والحيوانات الضار منها والنافع، لم يكن شيء من ذلك إلا بتكوين الله، ولم يكن قبل تكوين الله الأشياء أصل ولا مادة ولا شيء من ذلك إلا بتكوين الله، وكذلك الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم والملائكة والإنس والجن والشياطين، لم يكن منها شيء الا بتكوين الله تعالى، وكذا صفات هذه الأشياء من الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والأطعام والمشروب والروائح، والجهل والعلم، والعجز والقدرة، والسمع والصمم، والبصر والعمى، والنطق والبكم، والصحة والسقم، والحياة والموت، كل ذلك من مخلوقات الله تعالى، وكذلك أفعال العباد واكتسابهم، من الأمر والنهي والوعد والوعيد، كل ذلك من مخلوقات الله تعالى، خلق كل شيء، قال الله تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم(3)} [سورة فاطر].يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، الطاعات والمعاصي بقضاء الله وقدرته، وعبادته بارادته ومشيئته، فان الطاعة مقدرة من الله تعالى بقضائه وقدره، وكذا المعصية والمعاصي مكونة مقدرة بقضاء الله تعالى وقدره ومشيئته، لكن ليست برضائه ولا محبته، ولا بأمره وما أراد الله أن يكون كان بلا محالة، طاعة أو معصية، وهذا معنى قولنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فمن هداه الله تعالى خلق فيه فعل الاهتداء، من لم يهده لم يهتد وكل ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال: {الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب(29)} [سورة الرعد]، والله يعطي العبد كما يريد، كان فيه صلاح العبد أو فساده، وغاية صلاح العبد ليست بواجبة على الله تعالى، بل إن كان فيه صلاح كان منه إحسانا وتفضلا، وإن لم يكن ذلك كان منه عدلا، فله الفضل والحمد، والله تعالى قديم ليس لوجوده ابتداء، وباق ليس لبقائه انتهاء، حي بلا روح، عالم بلا قلب وفكرة، قادر لا بآلة، سميع بلا أذن، بصير بلا حدقة، متكلم لا بلسان، والله تعالى قديم بصفاته، وليس شيء من صفاته محدث، وكلامه ليس من الحروف والأصوات، بل الحروف والأصوات عبارة عن كلامه ودلالة عليه، والله تعالى ليس بجسم، ولا جوهر ولا عرض، ولا على مكان ولا في مكان، بل كان جلّت عظمته ولا زمان ولا مكان، والله تعالى ليس بصورة، وكل ما تصور في فهمك ووهمك فالله تعالى خالقه ومكونه، والله تعالى لا يشبه شيئا مما خلق، ولا يشبه ذاته ذوات المخلوقين، ولا صفاته صفات المخلوقين كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(11)} [سورة الشورى] والله تعالى واحد أحد فرد صمد، لا شريك له ولا وزير له، ولا شبيه له، ولا ضد له ولا ند له، ولا نظبر له ولا مثيل له، ولا أول له ولا ءاخر له، ولا ولد له ولا والدة له ولا والد له، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، علام بأمور خلقه من مبتداهم الى منتهاهم، وكل مخلوق بخلقته شاهد عادل على أنه لا إله الا هو الرحمن الرحيم. وأنّ محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخيرته من خلقه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وأنّ الله أرسل من قبله رسلا، أولهم ءادم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم جاءوا بالحق وتكلموا بالصدق، وبلّغوا الرسالة وصدقوا فيما بلغوا عن ربهم عز وجل، وكل ما أنزل عليهم من الكتب والصحف حق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ولا نبي بعده حق، وأن الرسل كلهم على حق، وأنّ عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في ءاخر الزمان حق، وأن المعراج حق، أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وشخصه في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس على ظهر البراق، ثم عرج به إلى السماء حيث شاء الله، وأن الصالحين مع علو منزلتهم وقربهم من الله لا يسقط عنهم شيء من الفرائض والواجبات من الصلاة والزكاة والحج والصيام وغير ذلك، ومن زعم أنّه صار وليا وسقط عنه الفرائض فقد كفر فانّه لم يسقط ذلك عن الأنبياء فكيف يسقط عن الأولياء. وأنّ الأيمان يزيد وينقص، والإيمان والإسلام واحد، وكل مسلم مؤمن، وأنّ عذاب القبر حق وأنّ منكرا ونكيرا حق، و سؤالهما حق، وأن البعث حق والعرض حق، والحساب حق، وأن الجنة ونعيمها حق، والنار وعذابها حق، وأهل الجنة يرون ربهم بعينهم من غير تشبيه ولا احاطة ولا كيفية ولا مقابلة ولا على مكان –هم في الجنة وهو موجود بلا مكان- ولا في جهة من الجهات الست، وأن قراءة الكتب أي في الآخرة حق، يؤتى المؤمن كتابه بيمينه والكافر بشماله، والميزان حق والشفاعة للنبي حق، وأن أبا بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة حق، وبعده خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حق، وبعده خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حق، وبعده خلافة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه حق ... الخ.
و الاعتقاد السليم التام الخالي من الشرك و النقائص أن ننزه الله جل وعلا عن الشريك و المثال وعن الصور وعن كل ما يخطر في أذهانا من خواطر وعن الحلول وعن الحركة وعن السكون و عن الجهة والمكان ، وفي هذا قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان". وقال: "إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتّخذه مكانا لذاته" وقال: "من زعم أنّ الهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود"
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: "من زعم أنّ الله في شيء أو على شيء أو من شيء فقد أشرك، إذ لو كان في شيء لكان محصورا، ولو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان من شيء لكان حادثا أي مخلوقا"
وقال القاضي أبو بكر رحمه الله "إن الله سبحانه منزه عن الحركة والإنتقال لأنه لا يحويه مكان كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيزا كما لا يدنو إلى مسافة بشيء، متقدس الذات عن الآفات منزه عن التغيير، وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل".
وقال الإمام الحافظ المفسر عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي الحنبلي رحمه الله "الواجب علينا أن نعتقد أنّ ذات الله تعالى لا يحويه مكان ولا يوصف بالتغير والانتقال".
وقال أيضا: "فترى أقواما يسمعون أخبار الصفات فيحملونها على ما يقتضيه الحس كقول قائلهم: ينزل بذاته إلى السماء وينتقل، وهذا منهم ردىء، لأن المنتقل يكون من مكان إلى مكان، ويوجب ذلك كون المكان أكبر منه، ويلزم منه الحركة، وكل ذلك محال على الحق عز وجل"
وقال أيضا: "كل من هو في جهة يكون مقدرا محدودا وهو يتعالى عن ذلك، وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنها أجرام تحتاج إلى جهة، و إذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان المكان".
وقال الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني (768هـ) رحمه الله بعد أن ذكر عقيدة الصوفية في تنزيه الله عن الجهة والمكان ما نصه: "فأنا أذكر الآن عقيدتي معهم على جهة الاختصار فأقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده أنه سبحانه وتعالى استوى على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن الحلول والاستقرار والحركة والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، لا يقال أين كان ولا كيف كان ولا متى كان ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان، تعالى عن الجهات والأقطار والحدود والمقدار"
وقال الشيخ أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن الصوفي الزاهد المعروف بابن عراق الكناني الدمشقي نزيل بيروت (933 هـ) رحمه الله : "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان، جلّ عن التشبيه والتكييف، والتأليف والتصوير"
وقال أيضا: "ذات الله ليس بجسم، فالجسم بالجهات محفوف، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس، على العرش استوى من غير تمكن ولا جلوس"
وقال العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي (1143هـ) رحمه الله: "فيتنزه سبحانه وتعالى عن جميع الأمكنة العلوية والسفلية وما بينهما"
وقال أيضا: "الجهات جمع جهة، وهي ست: فوق وتحت ويمين وشمال وقدام وخلف، والجهة عند المتكلمبن هي نفس المكان، باعتبار إضافة جسم آخر إليه، ومعنى كون الجسم في جهة كونه مضافا إلى جسم آخر حتى لو انعدمت الأجسام كلها لزم من ذلك انعدام الجهات كلها، لأن الجهات من توابع الأجسام وحيث انتفى عن الله تعالى الزمان والمكان انتفت الجهات كلها عنه تعالى أيضا لأن جميع ذلك من لوازم الجسمية وهي مستحيلة في حقه تعالى"
ويَنقل الإمام الشعراني عن علي الخواص رحمهم الله : "لا يجوز أن يقال انّه تعالى في كل مكان كما تقول المعتزلة القدرية"
وقال الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي الأشعري رحمه الله "تعالى – أي الله – عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان".
وقال: "أصموا أسماعكم عن علم الوحدة، وعلم الفلاسفة، وما شاكلهم فانّ هذه العلوم مزالق الأقدام إلى النار".
وقال أبو بكر الشبلي رحمه الله: "الله الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف سبحانه لا حد لذا ته ولا حرف لكلامه".
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله: "من زعم أن الله يسكن السماء، أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر"
و قال الشيخ المكاشفي :
تنزه ربى عن صور وخواطر قلبى في الأذهان
وقال: تعالي الرب عن جهات وبعد وقرب لا له مكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق